INDEX                                                

بيـــ ان

 

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعتبر أن برنامج الحكومة الجديدة

 

لا يستجيب في جوهره لمتطلبات بناء دولة الحق والقانون ومجتمع الديمقراطية وسيادة حقوق الإنسان

قدم الوزير الأول يوم 21 نونبر الأخير للبرلمان بغرفتيه برنامج الحكومة الجديدة الذي اعتبره بمثابة " ميثاق وطني للتقويم والإصلاح " يسعى

" لتشييد المجتمع الديمقراطي الحداثي "  و  " دولة ديمقراطية واجتماعية حديثة ومتطورة "

وإن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذي دأب على الاهتمام بمدى استجابة البرامج الحكومية والوزارية لضرورة تشييد دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان بكافة أبعادها وبعد التأكيد مجددا على أن الحكومة الحالية كسابقاتها تعمل في شروط دستورية وسياسية وهيكلية تعرقل أو تحول دون ممارستها للمسؤوليات الحكومية المتعارف عليها في البلدان الديمقراطية، وبعد تدارسه للتصريح الحكومي في علاقته بحقوق الإنسان وبالمطالب الحقوقية للجمعية يسجل المواقف التالية :

1 ـ رغم أن البرنامج الحكومي حدد عدد من الأهداف الملموسة في بعض المجالات ـ التنمية الاقتصادية، التشغيل، السكن، التعليم ـ سيكون من شأن تحقيقها الحد من تدهور أوضاع حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية في تلك المجالات، فإن هذا البرنامج جاء بتصور حول المآل العام للديمقراطية وحقوق الإنسان يؤكد على ثوابت النظام السياسي السائد وعلى استمرارية الأوضاع الحالية دون أن يستجيب للمطالب الأساسية للجمعية في مجال حقوق الإنسان .

2 ـ لم يشر البرنامج الحكومي للمسألة الدستورية مع العلم أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ظلت ـ مع عدد من القوى الديمقراطية الأخرى ـ تعتبر أن إقرار دستور ديمقراطي ـ كبديل للدستور غير الديمقراطي الحالي ـ وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة شرطان اساسيان لتمكين الشعب المغربي من تقرير مصيره السياسي انسجاما مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان . وقد اكتفى التصريح الحكومي في هذا المجال بالتأكيد على أن الحكومة ستتبع بالنسبة للانتخابات المقبلة المتعلقة بتجديد ثلث مجلس المستشارين والمجالس الجماعية نفس النهج الذي اتبع في انتخابات مجلس النواب مغفلا الانتقادات الموجهة للمسلسل الانتخابي الأخير وكذا المطلب المتعلق بإلغاء مجلس المستشارين .

3 ـ رغم أن الجمعية ظلت تؤكد على ضرورة مصادقة المغرب على سائر المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية وعلى ملائمة القوانين المغربية معها فإن التصريح الحكومي تجاهل كلية هذا الركن الأساسي في بناء دولة الحق والقانون ، وبالمقابل  فقد بشر هذا التصريح بعزم الحكومة على  الإسراع بإصدار مدونة الشغل والقانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب والقانون حول الأحزاب السياسية، مع العلم أن المشاريع المتداولة في هذه المجالات كلها مشاريع تراجعية من شأنها التخلي عن عدد من الحقوق القانونية المكتسبة وتكبيل حق الإضراب والحريات ومخزنة كافة الأحزاب السياسية المعترف بها .

4 ـ لقد تجاهل هذا التصريح الحكومي كلية مطلب الجمعية المتعلق بمتابعة المسؤولين المتورطين في الجرائم ضد حقوق الإنسان السياسية والمدنية وكذا مطالب الحركة الحقوقية المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتوصيات مناظرة 9/10/11 نونبر 2001 حول هذا الموضوع في حين أن عدد من القوى السياسية الممثلة في الحكومة ساهمت في أشغال المناظرة التي وافقت بالإجماع على تلك التوصيات وفي مقدمتها تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للحقيقة .

وهكذا فإن مشكل الاختطاف ـ الذي برز على السطح من جديد مع الاختطافات الأخيرة ـ يظل قائما بالموازاة مع استمرار ظاهرة الاعتقال السياسي رغم مطالبة الجمعية المتواصلة بالحل النهائي والمبدئي لملف الاختطاف وبإطلاق سراح المعتقلين السياسيين .

5 ـ بالنسبة للحريات العامة ( حرية النشاط الجمعوي والسياسي، حرية الصحافة، حرية التجمع والتظاهر) لم يتطرق البرنامج الحكومي  لسبل معالجة الانتقادات الموجهة للقوانين والانتهاكات في هذا المجال وبالخصوص لحرمان عدد من الجمعيات والتنظيمات السياسية ـ من ضمنها الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب،  العدل والإحسان، النهج الديمقراطي، البديل الحضاري، الحركة من أجل الأمة، مركز عبد الكريم الخطابي ، الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة ـ من حقها الدستوري والقانوني في العمل السياسي والجمعوي . وبالمقابل كشف هذا البرنامج عن تضخم المقاربة والهاجس الأمنيين لدى السلطة حيث تم التأكيد على تطوير أجهزة الأمن وتزويدها بالإمكانيات المادية والبشرية .

6 ـ وفي الوقت الذي يقر فيه الجميع بمعضلة القضاء ببلادنا ـ المتجسدة أساسا في عدم استقلاليته وضعف النزاهة والكفاءة  وفي وجود محاكم استثنائية لا مبرر لها حقوقيا ـ وبتدهور أوضاع السجناء والسجن ـ وهو ما تجسد في كارثة حريق السجن المدني بالجديدة في فاتح نونبر الأخير وفي التعامل اللا مسؤول للسلطات مع مختلف الحرائق التي عرفتها السجون في المدة الاخيرة ـ، فقد جاء البرنامج الحكومي خاليا من أية خطة ملموسة لمواجهة هذا الوضع مكتفيا بإشارة عريضة إلى تطوير القضاء وإصلاح مراكز الاعتقال وتحسين أوضاع السجناء .

7 ـ وعلى مستوى حقوق المرأة، إذا كانت الحكومة السابقة قد تراجعت، تحت ضغط القوى المعادية للحق الإنساني في المساواة بين النساء والرجال، عن الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية وتخلت عن صلاحياتها في تطوير مدونة الأحوال الشخصية لفائدة اللجنة الملكية الاستشارية الملكفة بتعديل هذه المدونة، فإن التصريح الحكومي  يزكي هذا النهج التراجعي مؤكدا تملص الحكومة الجديدة من ملف مدونة الأحوال الشخصية المتروك للجنة الملكية الاستشارية وللملك في نهاية الأمر .

8 ـ وبالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يقر الجميع بتدهورها الخطير في بلادنا خاصة في مجال الاوضاع المعيشية للمواطنين المتعلقة بالتغذية والصحة والسكن والبيئة والنقل وانتشار الفقر والبطال والامية فإن البرنامج الحكومي يعد استمرارا للبرامج الاقتصادية والاجتماعية المفلسة المفروضة في إطار النظام الاقتصادي السائد وفي إطار العولمة الليبرالية من طرف المؤسسات المالية الدولية .

لقد أغفل البرنامج الحكومي الحديث عن المديونية الخارجية التي تشكل خدماتها عرقلة اساسية أمام الاستثمار وزكى اتفاقية الشراكة في صيغتها الحالية مع الاتحاد الاوربي والتي سيشرع في تطبيقها العملي ابتداءا من 2003 وبشر بمضاعفة الجهود في مجال الخوصصة وتحرير عدد من القطاعات . كما أكد البرنامج على الاستثمار الاقتصادي كحل اساسي لمعضلة البطالة دون الحديث عن مصادر هذا الاستثمار مكتفيا بتأكيد قناعة الحكومة بالدور الحاسم لإقرار مدونة للشغل والسلم الاجتماعي الدائم في معالجة مشكل البطالة .

وقد تجاهل البرنامج الحكومي فضيحة النجاة / انابيك وما صاحبها من تحايل مالي وسياسي على أزيد من 30 ألف شاب ومن عصف بمطامحهم . كما تجاهل معضلة الفساد ونهب المال العام وشعار عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية الذي يفرض المساءلة والمتابعة أمام قضاء مستقل، عادل وكفء للمتورطين والمستفيدين الأساسيين من هذه الجرائم . كما أن التصريح الحكومي الذي أكد على السلم الاجتماعي، أغفل أن المقومات الأساسية لهذا السلم تتجسد في احترام الحريات النقابية واحترام قوانين الشغل وفي تحسين الأوضاع المعيشية للأجراء بدءا بالزيادة في الأجور وفقا لقانون السلم المتحرك للأثمان والأجور .

وفيما يخص القضايا المرتبطة بالهجرة فقد اكتفى التصريح الحكومي بمقولات عامة حول الاهتمام بالجالية المغربية بالخارج متجاهلا بعض القضايا الأساسية مثل الحرمان التعسفي للمهاجرين من حقهم في التصويت خلال انتخابات 27 شتنبر الأخير، وفي المآسي المرتبطة بالهجرة السياسية وبمشاكل التأشيرات.

وبالنسبية للقضايا الثقافية فإنها لم تحظ عموما باهتمام التصريح الحكومي ـ وحتى بالنسبة للحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية فقد اكتفى التصريح بالإشارة إلى أن الامازيغية ستحظى بعناية خاصة من لدن الحكومة دون إعطاء أي توضيح بشأن الإجراءات الضرورية لحماية الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية بدءا بتدريس الأمازيغية وإعطائها المكانة اللائقة على المستوى الإعلام الرسمي .

  إن المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يعبر عن خيبة الأمل بشأن مضمون البرنامج الحكومي في مجال حماية حقوق الإنسان والنهوض بها وإذ يعتبر أنه لا يستجيب في جوهره لمتطلبات بناء دولة الحق والقانون ومجتمع الديمقراطية وسيادة حقوق الإنسان، ولا ينسجم حتى مع الشعار الرسمي حول " المجتمع الديمقراطي الحداثي " . ويؤكد المكتب المركزي عزم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على مواصلة النضال بكافة الأساليب المشروعة من أجل تحقيق المطالب الحقوقية الأساسية مناشدا كافة الهيئات الحقوقية وكافة القوى الديمقراطية السياسية والنقابية والنسائية  والشبابية والثقافية والجمعوية إلى العمل المشترك والمستمر من أجل مجتمع المواطنة بكافة الحقوق .

المكتب المركزي

الرباط في 25 /11/2002

  

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان

المكتب المركزي

AUTRES